نبيل رجب:التمييز الطائفي في البحرين..واقع ممأسس
التمييز الطائفي في البحرين..واقع ممأسس نبيل رجب جمعية العمل الوطني 22-11-2008 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومساء الخير جميعا ،،، يتساءل البعض هل هناك خلافاً شيعياً سنياً في البحرين ؟
أولاً لابدَّ أن أُوضحَ أن الخلاف القائم في البحرين الآنَ ليس خلافاً شيعياً سنياً مذهبياً أو عقائدياً على الإطلاق، وإنما خلافاً بين أبناء الطائفةَ الشيعيةَ من جهة وهم الجزء الأكبر من المواطنين، وبين النظام الحاكمَ في البحرين، بِسببَ سياستهُ في التمييز والعزل و الفصل العنصري الطائفي. تحاول السلطةَ جاهدةً أن تصور الخلاف وكأنهُ نزاعاً بين السنةً والشيعةً، بل إنها تدفع به ليكون كذلك، وكما هو حاصل الآن بمنطقة المحرق، إلا إن الواقع غير ذلك تماماً، وإنّ الغالبية من أبناءَ
الطائفتين واعين ومدركين ولا يرغبون في الانسياق لذلك. لقد أثبت لنا التاريخ أنّ المجتمع البحريني يمتلكُ درجةً عاليةً من التسامح الديني والتعايشَ بين جميع مكوناته، على اختلاف انتماءاتهم الدينيةَ والمذهبيةَ والإثنيّةَ، بل إننا كشعب بحريني نفتخر بهذا المزيج من المعتقدات، ونفتخر بهذا التعدّد والتجانس الثقافي، الذي ساهم وأثرى في بناء الحضارة السائدة في البلاد مُنذَ مئات السنين، بل ميّز مواطنينا عن غيرهم في منطقة الخليج العربي.
مُنذُ أيام قام مركز البحرين لحقوق الإنسان بإطلاق نتائج تقريره الثاني عن التمييز الطائفي، وقبلهُ كان هناك تقريره الأول لسنة 2003 والذي كان أحد أسبابِ إغلاقه. أما عن أهم النتائج التي احتواها تقريرنا الثاني، فهي في حين أن أبناء الطائفة الشيعيةَ يُشكلون حوالي ثلثي السكان، إلا إنهم يتولون 13% فقط من الوظائف العليا ، وأغلب تلك الوظائف تتمركز في المؤسسات الخدمية أو المؤسسات غير السيادية. وفي الكثيرَ من الوزارات والمؤسسات الحكومية يُشكل المواطنون الشيعة ما نسبته 0% من الوظائف العليا، ومن تلك المؤسسات:
1- وزارة الدفاع
2- الحرس الوطني
3- وزارة الداخلية
4- وزارة شئون مجلس الوزراء
5- المؤسسة العامة للشباب والرياضة
6- الديوان الملكي
7- ديوان ولي العهد
8- الجهاز المركزي للمعلومات
9- جهاز المساحة والتسجيل العقاري.
10- مجلس الدفاع الأعلى
ويُعتبر هذا المجلس أعلى هيئةً أمنيةً بالبلاد, معنيةً باتخاذ القرارات أثناء الأزمات، ويتشكل هذا المجلس من أربعةَ عشرَ عضواً، جمعيهم من أفرادِ الأسرةَ الحاكمةَ ، يرأسهم جلالة الملك، ويضم في عضويته رئيس الوزراء وولي العهد ورؤساء الوزارات السيادية.
وبناء على تقرير المستشار السابق الدكتور صلاح البندر، فإن مجلس الدفاع الأعلى، مسئولا عن وضع خطةً سريةً تعتبر المواطنين الشيعة خطراً على النظام الحاكم، وعليه تم تأسيس شبكةٍ سريةً – تعمل كحكومة ظل – من أجل عزلهم في جميع أوجه ومظاهر الحياة.
كما لوحظَ أن أبناء الطائفةَ الشيعية يشكلون 5% فقط من السلك القضائي، و16% من السلك الدبلوماسي، و7% بوزارة المواصلات و18% بالمحكمة الدستورية و10% بوزارة المالية و6% بوزارة الإعلام.
أما بخصوص الحقائب الوزاريةِ، فلا يوجد الآن في الحكومةِ الحالية سوى خمسة وزراء من أبناء الطائفة الشيعية من بين 25 وزيرا، وثلاثة من هؤلاء الوزراء يتولون مناصب شكليةً فقط. وتعتبر هذه النسبة هي الأقل تمثيلاً للشيعةَ في السلطة التنفيذية مُنذَ تكوين أول جهازاً تنفيذياً للحكومة في يناير 1970م. وهذا يشكّل جواباً واضحاً لمن يروّج لفكرة أن النظام في البحرين قد تحسّن في السنوات الأخيرة.
وألان هل هناك علاقةً بين تهميش أبناء الطائفة الشيعية وبين تدني مستوياتهم التعليمية أو قلة كفاءتهم ؟
كانت السلطةَ الحاكمةَ تنفي وجود التمييز الطائفي تماماً في بادئ الأمر، إلا أن التقرير الذي أصدرهُ مركز البحرين لحقوق الإنسان في عام 2003 قد شكل صدمةً للشارع البحريني ومفاجأةً للحكومة، لما احتواهُ من أرقام ومعلومات عن التمييز الطائفي. ومُنذُ ذلك الحين، دأبت السلطة الحاكمة إلى تغيير إستراتيجيتها الدفاعية في هذا الصدد، فبعد أن كانت تنفي وجود التمييز أصلاً، أصبحت تُبررهُ محاولِةًً تثبيت مقولةَ نقص الكوادر والكفاءات بين أبناء الطائفة الشيعية، وتدني مستوياتِهم التعليمية.
هذا ما تحاول السلطة تمريرهُ مؤخراً لزوارها من الأجانب والمؤسسات الإقليمية والدولية، أو من خلال بعض كتّاب وكاتبات الأعمدة التابعين للسلطة.
وفي حين - إننا كحقوقيين- لا نقبل هذه التبريرات أو الحجج المنافيةُ للمنطق، إلا إننا بحثنا في ذلك أيضاً، ووجدنا أن نسبةَ أبناء الشيعة في لوائح شرف المتخرجين والمتخرجات، من مدارس المرحلة الثانوية للعامين 2006 و2007 تعادل حوالي 78%، وأن أبناءَ الشيعة يشكلون 70% من طلبة الكليات، وهذا ما ينافي ادعاءات السلطة بعدم أهليتهم أو كفاءتهم لتبوأ المناصب الحكومية. بل تُؤكد تلك النتائج بأن هناك خلل واضح وفراغ كبير، في نسب وأعداد المتعلمين والمتعلمات من أبناء المواطنين الشيعة وبين توظيفهم في المؤسسات الحكومية.
إن أوجه التمييز في البحرين متعددة ولا تقتصر على الجانب الوظيفي والقيادي، فهناك تهميشاً في توزيع البعثات الدراسية، وفي بناء دور العبادة، وفي الخدمات الحكومية ، وفي التعامل مع ملف المحرومين من الجنسية. ففي حين أن جلالة ملك البلاد قد أعلن إغلاق ملف البدون عند إفتتاح الدورةَ البرلمانية الأخيرة، إلا انهُ لازال هناك الكثير من المحرومين من الجنسية الذين لم يحصلوا على الجنسية البحرينية فقط لأنتمائتهم المذهبية، علماً بأنهم ولدوا وترعرعوا جميعاً في هذا البلد. في ذات الوقت، الذي تقوم فيه السلطة وبشكل علني وبدون استحياء بجلب ألآلاف من أفراد القبائل من بعض الدول العربية والآسيوية، وتمنحهم الجنسية البحرينية بطريقة مخالفة للقانون.
في تقريرنا السابق لسنة 2003م، حذرنا من انزلاق الساحة إلى العنف والعنف المضاد، إذا لم تضع السلطة الحاكمة حداً لسياسة التمييز. وفي سياق متصل، أصدرت مجموعة الأزمات الدولية تقريراً في عام 2005م حذرت فيه أيضا من خطورة الوضع إذا استمرت الحكومة في سياسة التهميش ضد الشيعة. إلا أن الحكومة البحرينية ردت بإغلاق مركز البحرين لحقوق الإنسان، وتجاهلت كل تلك التحذيرات. وها نحن اليوم نشهد ما حذرنا منه في السابق من مصادمات ومواجهات شبه يومية، بين أبناء القرى الشيعية وقوات مكافحة الشغب، والذي يُصنفهم القانون الدولي على إنهم من المرتزقة الأجانب.
أما الآن وبعد خمس سنوات من إصدار التقرير الأول، وفي ظل ما يُطلق عليه بالمشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ووجود المؤسسة البرلمانية، أصبحَ من الواضح أن الحال بات أسوأ من ذي قبل، حيث أن نسبة تمثيل الشيعة في مؤسسات الدولة آخذةً في التدني. فبعد أن كانت النسبة 18% في العام 2003، أصبحت الآن 13%، أي بتدهور نسبته 5% في السنوات الخمس الأخيرة.
إن مركز البحرين لحقوق الإنسان يتابع وبقلقٍ بالغٍ، ذلك المخطط الواضح الذي تمضي به السلطة الحاكمة، في سياسة التهميش على جميع المستويات، التعليميةَ والاقتصادية والسياسيةَ والثقافيةَ والدينيةَ والاجتماعية والمدنيةَ، متجاهِلةً كل المناشدات والتوصيات الدولية، بما فيها تلك الصادرة من الأمم المتحدة.
إن طرحنا لهذا التقرير جاء نتيجة إدراكنا لخطورة الوضع الحالي في البحرين، واحتماليةَ تحوله إلى نزاعٍ أشد عنفاً من أي وقت مضى. ونحن هنا نتساءل، هل المطلوب منا أن ننتظر أن تتحول البحرين إلى منطقةَ نزاعات وحروب أهلية؟ كما هو الحال الآنَ في العراق و دارفور حتى نبدأ التحرك لتدارك الوضع؟ إن سياسةَ العزل والتطهير في البحرين والتي تمارسها بوضوح اليوم الطبقة الحاكمة، تضع الأساسات والقواعد والوقود لهذه النزاعات تمهيداً لحربٍ أهليةً بين المواطنين.
سؤالٌ يُطرح علينا دائما وهو لماذا لا نعالج ملف التمييز من خلال البرلمان البحريني مستفيدين من هذه المؤسسة؟
كان ذلك هو الأمل الذي يحدونا في هذه المؤسسة، ولهذا السبب شاركنا ودعونا للمشاركة في عملية التصويت لهذا البرلمان، إلا أنّه وبعد تجربة عدة سنوات، قد تأكد لنا بان هذا الجسم البرلماني الضخم قد تم إخصائِه، ولا يمكن الاعتماد عليه كأداةٍ وحيدةٍ في أي عملية نحو الإصلاح السياسي والحقوقي. ولذلك نحن نعتقد بأنه بات من الضروري على المعارضة الموجودة في البرلمان الآن، التفكير الجدي في استخدام آليات ضاغطة أخرى، إلى جانب المؤسسة البرلمانية، مثل الآليات الدولية والإقليمية أو تلك الموجودة في بعض الدول الصديقة لحكومتنا، أو آلية التحرك الشعبي السلمي التي من الضروري دراستها جدياً.
هناك من في السلطة الحاكمة من يتهم الشيعة بالولاء السياسي لإيران
إن كانت هذه المزاعم صحيحةً، فذلك يعني أن نظام الحكم في البحرين ليست له شرعية، إذ أن ثلثي الشعب في البحرين غير موالين له. لكن القصة ليست كذلك، وإنما تعمل السلطة الحاكمة على الاستفادة واللعب على الخلافات والتناقضات الدولية لتكريس تهميشها للشيعة. بل تعمل السلطة الحاكمة على استغلال العلاقات المتوترة بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، لتسّوق للعالم موضوع موالاة الشيعة لإيران وذلك لكسب التعاطف والدعم من تلك الدول. لكن السؤال هو إلى متى ستظل السلطة الحاكمة تتغذى على تلك الخلافات والتناقضات الدولية، لتكريس اضطهادها لأبناء الشعب؟ وهل هناك من يضمن أن تكون خريطة التحالفات الدولية كما هي دائما؟
ثم أن قصة التمييز ضد أبناء الطائفة الشيعية ليست وليدة اليوم، بل بدأت مع مجيءَ حكام البلاد إلى البحرين، قبل أكثر من قرنين من الزمن، وليس لها علاقة بإيران التي تشكلت دولتها الحديثة في الثلاثين عاما الماضية.
لقد ساهم وجود البريطانيين المستعمرين في بداية القرن الماضي بالبحرين في الحد من سياسة التمييز ضد الشيعة، إلا انه ومُنذ الإستقلال في أوائل السبعينات ورجوع الحكم كاملاً للسلطة الحاكمة، عادت سياسة التمييز مرة أخرى وبشكل تدريجي، بل أصبحت هذه السياسة أكثرَ شراسةً ومنهجيةً وتنظيماً وبوتيرة متسارعة مُنذُ تولي جلالة الملك حمد بن عيسى للحكم.
من الواضح تماما إن الطبقة الحاكمة في البحرين تعيشُ حالةً من الهوّس، في أن الشيعة يشكلون خطراً على نظام الحكّم، لكن الواقع يخالف ذلك، حيث لا توجد حتى الآن أي من القوى السياسية المعارضة في البحرين- شيعيةً كانت أم سنيةً أو وطنيةً- تُهدد النظام الحاكم، أو ُتنازعهُ في حُكمه. وكل المطالب تنحصر في المشاركة في صناعة القرار، والعدالة في توزيع الثروة، والمساواة في المواطنة، وتجريم التمييز وتكافؤ الفرص واحترام حقوق الإنسان.
لكن الإستمرار في هذه السياسةَ المستبدةَ الظالمة ربما يدفع مجموعات من المواطنين- بدافع اليأس والإحباط - إلى إتخاذ أساليب مُتطرفة ، أو ربما يدفع مجموعات أخرى إلى اللجوء لطلب المساعدة من دول أخرى. وإن كنا لا نُريد الأمور أن تسير بهذا الاتجاه فعلينا إصلاح بيتنا الداخلي، الآن وليس غداً. فالوقت في ظل المتغيرات الدولية صار يُداهمنا.
هناك الكثير من التحديات التي تواجهُنا في طرحنا لموضوع معالجة التمييز الطائفي، ومن تلك التحديات
1- كيف نستطيع تبديد الهوَس لدى السلطة الحاكمة، وإقناعهم في أن الشيعة لا يشكلون خطراً على عرشهم؟
2- كيف يمكننا معالجة التمييز ضد الشيعة، دون استثارة أياً من أبناء ورموز الطائفة السنية؟
3- كيف نستطيع أن نُقنع بعض الأطراف الدينية السنية، في إنها تـُستـَغل اليوم لغير مصلحتها، من قِبل السلطة الحاكمة لدفعها نحو الاستقطاب والتطرف أو التصادم مع أبناء الشيعة؟
4- وكيف نستطيع إقناع بعض الأطراف الشيعية، في أن بعض خطاباتها أو ممارساتها أو فعالياتها أو أنشطتها غير المدروسةَ، تحتاج إلى مراجعةً وإعادة تقييم، وإن السلطة الحاكمة وآلتها الإعلامية تبرز وتستغل تلك الأنشطة لاستفزاز بعض الإطراف السنية.
لكننا نؤمن تماماً بأن أحد أهم أسباب استشراء التمييز الطائفي، هو سلبيتنا في مناهضته، وتجاهلنا لطرحهِ، والاستحياء في الإشارةِ إليه، حتى من قبل تلك الفئات المتضررة، خوفا من اتهام السلطة وأعوانها لهم في إنهم طائفيون.
أما نحن في مركز البحرين لحقوق الإنسان فإن لدينا التزاماً أدبياً وأخلاقياًً وحقوقياً وإنسانياً في أن تكون حملة مناهضةَ التمييز الطائفي على سُلمَ أولوياتنا في المرحلة القادمة وعلى الصعيد المحلي والإقليمي والدولي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته