البحرين: بعد تدمير موقع الاحتجاجات الفعلي في "دوار اللؤلؤة"، توجه حكومي للقضاء على الاحتجاجات الالكترونية
مجتمع المعلومات على الانترنت يواجه خطر التلاشي نتيجة القمع الوحشي لحرية التعبير
لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
17 مايو 2011
يعبر مركز البحرين لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه لاستمرار التعديات على حرية الأفراد في التعبير عن آرائهم وإمعان السلطات البحرينية في قمع حرية التعبير بمختلف السبل، ويركز هذا التقرير على القمع الذي طال حرية التعبير عبر الفضاء الإلكتروني وطال النشطاء والمدونين على الانترنت من خلال تهديدهم بالقتل ووالاعتقال الأمر الذي فرض عليهم حالة من الرقابة الذاتية الشديدة. وتعرضت الكثير من المواقع الإلكترونية التي تتناول الشأن المحلي والأحداث السياسية ومن ضمنها المنتديات الحوارية والمدونات الخاصة بالنشطاء البحرينيين وغيرهم للحجب والإغلاق من قبل السلطات في البحرين، الأمر الذي يهدد تنوع المحتوى الإلكتروني في ظل اختفاء المزيد من المدونين يوماً بعد يوم، وإغلاق مواقعهم وصفحاتهم الإلكترونية.
فمنذ بداية الانتفاضة الشعبية في فبراير الماضي والتي انطلقت بعد دعوات ظهرت على صفحات التواصل الإجتماعي الفيسبوك[1] استفاد نشطاء الانترنت والمدونين البحرينيين كغيرهم من نشطاء الانترنت عبر العالم من المساحة الإلكترونية المتاحة ومواقع التواصل الإجتماعي من منتديات ومدونات وشبكات التويتر والفيسبوك واليوتيوب لنقل مجريات الأحداث على الساحة البحرينية[2] ، وبث تفاصيل الاحتجاجات الشعبية وتوثيقها بالمقالات والصور والفيديوات، وبدأوا ببث أفكارهم وآرائهم حول ما يجري على صفحات هذه المواقع، والتي ظهرت كوسيلة وحيدة للتعبير عن آرائهم وإيصال الأخبار للعالم في الوقت الذي يمتنع فيه الإعلام الرسمي عن تقديم أي وجهة نظر مخالفة لرأي السلطة ويمتنع عن بث أي أخبار عن الاحتجاجات إلا بعد تشويهها[3] وتحويرها بما يخدم أهداف السلطة، في الوقت الذي تغض فيه قنوات الإعلام الأخرى النظر عن ما يجري في البحرين[4] .
تقييد النشاط الإلكتروني منذ بداية الاحتجاجات الشعبية:
وقد ظهر منذ البداية تخوف السلطة من نجاح النشطاء على الانترنت في إثارة الشارع فقامت بحجب الصفحات التي دعت إلى الخروج للتظاهرات[5] ، ثم وبعد اندلاع الاحتجاجات ولمنع النشطاء من نقل ما يجري من قلب الأحداث قامت بتخفيض سرعات الانترنت لعرقلة تحميل أشرطة الفيديو والبث المباشر للتظاهرات وتصفّح الشبكة، ولجأت إلى حجب موقع بامبيوزر bambuser.com الذي يمثل منصة إنترنت تسمح للمستخدمين بتبادل التسجيلات الملتقطة بالهواتف الجوالة مباشرة. كما تم حجب صفحات من يوتيوب تحتوي على تسجيلات للتظاهرات[6] ، وفي حين استخدمت السلطة الأسلحة أمريكية الصنع لقمع المتظاهرين في الشوارع، فقد استخدمت أيضاً برامج أمريكية[7] لحجب المواقع الإلكترونية. ووفقاً لشركة أربورنتوركس[8] للأمن المعلوماتي الأمريكية، انخفضت الحركة على شبكة الانترنت من وإلى البحرين بنحو 20 بالمئة بعد الهجوم الأول على ميدان اللؤلؤ في 17 فبراير، ما يدل على أن السلطة قد شددت الرقابة على الانترنت رداً على تزايد الاضطرابات.
بلطجية الشبكات الإجتماعية[9] :
إضافةً إلى ذلك قامت السلطة بإغراق الشبكات الإجتماعية (وخاصة شبكة التويتر) بالمئات من الحسابات التابعة لمنتسبيها أو الموالين لها لبث العديد من الرسائل التي من شأنها تشويه صورة الاحتجاجات[10] بالإدعاء بطائفيتها ونشر أفلام تحمل مظاهر عنف ونسبها لثورة فبراير السلمية. كذلك لعب هؤلاء البلطجية دوراً هاماً في التحريض على الكراهية وتأجيج الطائفية عبر الشبكات الإجتماعية[11] . وما يؤكد انتماء تلك الأصوات لجهاز منظم يدير أنشطتها هو ظهورها جميعا في وقت واحد على شبكة التويتر في حملة بث معلومات مغلوطة عن المحتجين سبقت مباشرة الهجوم على الاعتصام في 17 فبراير ثم اختفاءها جميعاً، بينما كانت جنود النظام تهاجم المعتصمين، لتعود للظهور دفعة واحدة بعد ساعات لمتابعة عملها[12] . وقد أظهرت تقنيات رصد[13] أن الكثير من الرسائل تأتي من منطقة وزارة الداخلية الأمر الذي يثبت تبعيتها المباشرة لها. وقد سبق أن كشف تقرير نشره المستشار السابق بشئون مجلس الوزراء د. صلاح البندر أن السلطة تقوم بتمويل مجموعات من أجل الكتابة الطائفية على الانترنت.[14] ويعتقد مراقبون أن الهدف من حملة المعلومات المغلوطة التي يشنها بلطجية السلطة هو كسر ثقة المتابعين في الشبكات الإجتماعية كمصدر مستقل للمعلومات نتيجة سيل المعلومات المناقضة للحقيقة التي يرسلها الموالون للسلطة في مقابل المناصرون للإحتجاجات. كما يرى المراقبون أن حملات البلطجية الإلكترونيين الذين ظهروا في البحرين تشكل تهديداً خطيراً لمستقبل الحركات الديمقراطية والاستخدام العادل والمنصف للشبكات الإجتماعية وخرقاً واضحاً لقوانين تلك المواقع[15].
ولم يتوقف الأمر عند بث المعلومات المغلوطة، والتحريض على الكراهية فحسب، بل قامت هذه الفرق المنظمة من جنود السلطة الإلكترونيين بمهاجمة المدونين النشطين بتوجيه الاتهامات والتهديدات[16] لهم لدفعهم نحو الصمت والتوقف عن النشاط الإلكتروني، وهو الأمر الذي لم ينجح في ذلك الوقت.
حملات الكراهية ضد المدونين واعتقالهم:
إلا أن شراسة السلطة في قمع نشطاء الانترنت قد تصاعدت حدتها منذ دخول قوات درع الجزيرة وفرض قانون الطوارئ وقمع المحتجين في ميدان اللؤلؤة. إذ بدأت بعدها عملية منظمة لمطاردة واعتقال المدونين الناشطين على الانترنت، وقد رصد مركز البحرين لحقوق الإنسان حتى وقت كتابة هذا التقرير ما يصل إلى 20 مدون وناشط الكتروني تعرضوا للإعتقال من بينهم 10 على الأقل لا يزالون رهن الإعتقال. في حين تعرض أحد المدونين للقتل تحت التعذيب في مركز الاحتجاز. (قائمة المعتقلين من النشطاء الإلكترونيين)
وبدأت حملة الاعتقالات في 17 مارس 2011 حين داهم حوالي 40 مسلّحاً منزل شقيقة المدوّن البحريني البارز علي عبد الإمام[17] حيث يقطن بغية اعتقاله مجدداً بالرغم من إخلاء سبيله في 23 فبراير2011 بعد سجنه لأكثر من 6 أشهر[18] ، إلا أن جهاز الأمن لم يفلح في القبض عليه وبات مصير علي عبد الأمام مجهولاً بعد اختفائه. يُذكر أن عبد الإمام هو مؤسس موقع بحرين أونلاين bahrainonline.org وهو الموقع الحواري الشعبي الذي امتاز بنشره لأخبار الانتهاكات الجارية والمقالات المعارضة للسلطة منذ سنوات. كذلك، ألقي القبض على المدوّن والمتحدث الرسمي ومدير مكتب حقوق الإنسان التابع لحركة الحريات والديموقراطيات "حق" الدكتور عبد الجليل السنكيس في 17 مارس والذي كان محتجزاً مع علي عبد الإمام و21 ناشطاً آخرين منذ أغسطس 2010 حتى فبراير 2011، وكان يندد على مدوّنته (http://alsingace.katib.org) بالتمييز الممارس ضد الطائفة الشيعة وينتقد التعدي المستمر على الحريات العامة في البحرين. وكان كلا المعتقلين قد أفادا أمام المحكمة في أكتوبر الماضي بتعرضهما للتعذيب الشديد وإساءة المعاملة خلال فترة الاحتجاز[19] ، وكذلك تحدثا عنه للإعلام[20] بعد الإفراج الوجيز عنهما. وقد أعلنت السلطة لاحقاً عن تقديم كلا المدونين للمحاكمة العسكرية ضمن مجموعة مكونة من 21 ناشطاً بتهم تتعلق بارتباطهما بما أسمته السلطة تنظيم إرهابي يهدف إلى قلب نظام الحكم[21] . وفي 19 مارس 2011 داهمت السلطة منزل المدون والناشط الحقوقي سيد يوسف المحافظة لإعتقاله وهددت عائلته بأنها ستعود كل ليلة ما لم يقم بتسليم نفسه.
كذلك ظهرت على صفحات الفيسبوك والتويتر صفحات[22] تنادي بتخوين مجموعة من المدونين المعروفين بأسمائهم الحقيقية، وتتهمهم بالتآمر ضد الحكومة، وبعضهم ممن برزوا بشكل أكبر على تويتر في بث آرائهم -التي لم تكن بالضرورة مؤيدة للاحتجاجات- وإرسال المتابعات الحية من موقع الاحتجاج مرفقة بالصور. ومن بين من استهدفوا في الحملة الأب الروحي للمدونين البحرينيين محمود اليوسف[23] -صاحب حملة "لا سني ولا شيعي فقط بحريني"- التي تدعو لكسر الطائفية وتوحيد البحرينيين، وهي أيضاً ذات شعبية بين المواطنين إلا أنها لا تلقى ترحيباً من السلطة التي قامت بحجب الموقع الخاص بالحملة[24] قبل أن يتم إغلاقه بشكل نهائي مؤخراً ناهيك عن تعرض من يحملون شعار الحملة للإهانة والتهديد في نقاط التفتيش[25] . ومن ضمن المستهدفين أيضاً المدون "ريدبلت" صاحب حملة توحيد البحرين[26] #Unitebh على تويتر والتي لقيت شعبية كبيرة على الشبكات الإجتماعية وكان هدفها مقاومة حملات الكراهية والتفرقة على الشبكات الإجتماعية.
وكان المدون محمد المسقطي واحداً من عديدين ممن تلقوا تهديدات مباشرة من أعضاء موالين للسلطة، حيث تلقى تهديدات من أحد أعضاء العائلة المالكة يدعى محمد آل خليفة[27] ، يخبره فيها بأنه "سيجعل أهله يبحثون عنه".
وتلت حملات الكراهية هذه بأيام حملة اعتقالات طالت بعض هؤلاء المدونين، إذ تعرض محمود اليوسف و"ريدبلت" ومحمد المسقطي للإعتقال[28] في مداهمات ليلية لمنازلهم في 30 مارس 2011 وأفرج عن الأول[29] والثاني في اليوم التالي بعد ما يزيد عن 24 ساعة من الاحتجاز، وبعد حملة دولية على تويتر وفي الصحافة وبيان من الخارجية الأمريكية[30] أشارت فيه إلى ضرورة الإفراج عن اليوسف والمدونين الآخرين. بينما أفرج عن المسقطي بعد أسبوع من اعتقاله.
وتوالت التهديدات لمنع التضامن مع المدونين المعتقلين إذ استمر المدعو محمد آل خليفة بتهديد كل من يدعو للإفراج عن المدون حيث ذكر في أكثر من موقف: "إن أي شخص يعيش في البحرين ويدعم الإرهابي emoodz، سيتم الاستيلاء على عنوان بروتوكول الانترنت الخاص به وسيتعرّض للاعتقال" .
ويأتي استهداف السلطة لهذه الأصوات من عالم التدوين ليؤكد أهدافها في منع الشبكات الإلكترونية من التحول إلى وسائل خلق مجتمعات متوحدة، إذ يسهل على بلطجيتها الإلكترونيين بث رسائل الكراهية في ظل غياب الأصوات الداعية للوحدة، الأمر الذي يمهد لإحكام قبضتها على مساحة التعبير الإلكترونية بصورة غير مباشرة. وكانت السلطة قبل ذلك قد حجبت إحدى منصات التواصل بين المدونين البحرينين bahrainblogs.org
وفاة مدون في حجز الشرطة
وفي 9 أبريل 2011 تم إعلان وفاة الناشط الإلكتروني زكريا راشد حسن العشيري وهو مسئول شئون القرية في موقع الدير نت[32] -الموقع مغلق من بعد اعتقاله- المختص بنشر أخبار قرية الدير. وكان زكريا قد اعتقل قبل ذلك بأسبوع في 2 أبريل 2011 بتهمة "التحريض على الكراهية" و"نشر أخبار كاذبة" و"تعزيز الطائفية" و"الدعوة إلى قلب نظام الحكم في المنتديات الإلكترونية". وقد عزت وزارة الداخلية الوفاة إلى نوبة فقر الدم المنجلي "سكلر" ولكن أسرة الفقيد رفضت التوقيع على شهادة الوفاة وطالبت بتشريح الجثة، حيث بدت آثار التعذيب ظاهرة على جسده.
ومن بين النشطاء الإلكترونيين المعتقلين كذلك مدير موقع الدير نت أحمد يوسف الديري المعتقل منذ 1 نيسان/أبريل 2011 مع ولديه. ويبدو أنه لا يتلقى العلاج الطبي الضروري لإصابته بداء السكري. وتخشى أسرته من تعرضه لما تعرض له زميله العشيري.
كذلك اعتقلت السلطات بعض المصورين من أصحاب النشاط الإلكتروني وكان من بينهم المصور مجتبى سلمت وحسين عباس سالم –المعروف بحسين الخال- في 17 و28 مارس 2011على التوالي. وكلاهما من أعضاء الجمعية البحرينية للتصوير الضوئي وكان