البحرين: وحدة التحقيق الخاصة، إنجازات وهمية وتواطؤ ملحوظ للانتقام من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي
مركز البحرين لحقوق الإنسان - سبتمبر 2013
يعبر مركز البحرين لحقوق الإنسان عن استياءه جراء استمرار النظام البحريني في الالتفاف على التوصيات الهادفة إلى الحد من انتهاكات حقوق الإنسان، حيث عمد إلى إنشاء جهات رسمية تدعي في ظاهرها صيانة حقوق المواطنين بينما تنبئ حقيقتها عن رعاية رسمية لسياسة الإفلات من العقاب وتفشي التمييز والعنصرية. راقب المركز أداء وحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة على مدى عام ونصف ليخلص إلى أن هذه الوحدة ما هي إلا حلقةٌ من حلقات البهرجة الإعلامية التي يقودها النظام البحريني لتلميع صورته عالمياً وأداةٌ لمعاقبة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والانتقام منهم على نشاطهم السلمي.
وأُنشئت وحدة التحقيق الخاصة[1] في 28 فبراير 2012 بأمر من النائب العام علي البوعينين كوحدة متخصصة في النيابة العامة للتحقيق والتصرف في جرائم التعذيب والإيذاء وإساءة المعاملة التي قد تقع من المسؤولين الحكوميين. ونص قرار تشكيل هذه الوحدة على أنها تتولى التحقيق في الوقائع الناشئة عن أحداث عام 2011 والتي تضمنها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، إلى جانب أي وقائع أو قضايا أخرى يقرر النائب العام إحالتها إلى الوحدة للتحقيق.
وجاء إنشاء هذه الوحدة كتنفيذٍ[2] للتوصية رقم 1716 من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والتي تنص على " وضع آلية مستقلة ومحايدة لمسائلة المسؤولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسببوا بإهمالهم في حالات القتل والتعذيب وسوء معاملة المدنيين، وذلك بقصد اتخاذ إجراءات قانونية وتأديبية ضد هؤلاء الأشخاص بمن فيهم ذوي المناصب القيادية، مدنيين كانوا أم عسكريين، الذين يثبت انطباق مبدأ "مسؤولية القيادة" عليهم وفقاً للمعايير الدولية" غير أن ما شهدته أرض الواقع أمرٌ مختلفٌ تماماً. حيث يرأس الوحدة رئيس النيابة ولا توجد آلية تشترط الاستعانة بخبراء مستقلين للتحقيق، في انتهاك لجوهر التوصية، في الوقت الذي تم توثيق تورط النيابة ذاتها في الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلين أثناء فترة التحقيق[3]. حالات التحقيق التي حولت للوحدة تم حفظ بعضها وتعليق البعض الآخر ناهيك عن تبرئة المتورطين في التعذيب ممن تحويل قضاياهم للمحكمة كما حدث في حالة دعوى الأطباء ضد مبارك بن حويل ونورة آل خليفة[4]. كما يعتقد مركز البحرين لحقوق الإنسان بأن تشكيل هذه الوحدة جاء لوقف الضغط الحقوقي الدولي لإحترام حقوق الإنسان وصيانتها بينما يشهد الواقع التفاف صريح على روح التوصية.
لطالما كانت مزاعم التعذيب الممنهج إحدى القضايا البارزة والمقلقة في الملف الحقوقي البحريني حيث وثقتها كبرى منظمات حقوق الإنسان في بياناتها وتقاريرها وعلى رأسها منظمة هيومان رايتس ووتش التي أصدرت في فبراير 2010 تقريراً مفصلاً بعنوان التعذيب يبعث من جديد[5] واستند التقرير إلى مقابلات مع معتقلين سابقين إضافة إلى تقارير الطب الشرعي والمحاكم التي أثبتت أن المسؤولين مارسوا التعذيب لمحاولة انتزاع الاعترافات من المشتبهين في القضايا الأمنية. وما توصية تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق إلا دليلٌ دامغ على وجود ممارسات سوء المعاملة والتعذيب والذي يدلل بدوره على وجود من أمر بانتهاج هذه الأفعال وقام بها الأمر الذي يوجبُ محاسبته وتعويض الضحايا وكانت هذه النقطة اختباراً لإرادة النظام الجادة في المصالحة الحقيقية غير أن استمراره في تجاهل دعاوى التعذيب وإطلاق يد المعذبين والجلادين للنيل من المواطنين المعارضين جعل حاكم البلاد في موقع المسؤولية عن تفشي سياسة الإفلات من العقاب[6] وحماية المنتهكين. ويرى مركز البحرين لحقوق الإنسان أن عدم محاسبة الجلادين والمعذبين ممن جاء ذكرهم في تقرير هيومان رايتس ووتش هو ما دفع إلى استمرار انتهاج التعذيب كوسيلة لانتزاع الاعترافات في ظل غياب سياسة المحاسبة والمساءلة القانونية الأمر الذي ضاعف عدد ضحايا هذه السياسة منذ فبراير 2011 حتى اليوم. ويدلل مركز البحرين لحقوق الإنسان على ما ذهب له من اعتقاد باستمرار كبار المسئولين الرسميين في مناصبهم وترقية البعض الآخر على الرغم من مسئوليتهم القانونية عما حدث من انتهاكات وعلى رأسهم رئيس جهاز الأمن الوطني السابق خليفة بن عبدالله آل خليفة ووزير الداخلية الحالي راشد بن عبدالله آل خليفة وآخرون.
كما أن أحد أركان النظام في البحرين وهو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة كان قد زار مبارك بن حويل الذي كان يواجه دعوى بتعذيبه للطاقم الطبي وآخرون ليقول له بأن القانون لا يمكن أن يطبق عليك أسوةً بما يجري على العائلة الحاكمة[7] مما يجعل وجود مؤسسات كأمانة التظلمات بوزارة الداخلية ووحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة مجرد مؤسسات صورية وتخدم النظام الذي أسسها.
تواطؤ النيابة العامة في التستر على جرائم التعذيب
ويشتكي المعتقلون والنشطاء على مدى سنوات من تواطؤ النيابة العامة مع التحقيقات الجنائية في التستر على جرائم التعذيب وممارسة الانتهاكات، حيث يتم التحقيق مع المعتقلين في أغلب القضايا فجراً ودون وجود محاميهم مما يجعلهم تحت ضغط كبير يضطرهم للاعتراف بتهم لم يرتكبوها. وفي بعض الحالات تجاهلت النيابة العامة تدوين إفادات المعتقلين عن تعرضهم للتعذيب ولا وجود آثار على أجسادهم نتيجة التعذيب، كما قال معتقلون آخرون بأنهم تعرضوا للضرب من قبل المحقق في النيابة العامة لإجبارهم على الاعتراف[8]. كما أن الكثير ممن تم اعتقالهم وتعريضهم للتعذيب رفضوا تقديم شكاوى تعذيب ضد جلاديهم في النيابة إما خشية إعادتهم للتعذيب أو بسبب فقدان ثقتهم بعدالة وحيادية الأجهزة القضائية في البحرين لاسيما في ظل تفشي سياسة الإفلات من العقاب وتبرئة الجلادين.
وحصل مركز البحرين لحقوق الإنسان على معلوماتٍ تفيد بأن ما يقارب 150 معتقل لم يقدموا شكاوى تعذيب بل اكتفوا بالحديث عن التعذيب الذي تعرضوا له أمام القاضي الذي أحيلت له قضاياهم غير أن القضاة لم يفتحوا تحقيقاً في تلك الدعاوى ورفض آخرون الاستماع لها. كما حصل المركز على معلومات أخرى تفيد بشكوى ما يقارب 200 معتقل خلال الشهرين الأخيرين لوكلاء النيابة عن تعرضهم للتعذيب على أيدي المحققين ومعاونيهم في مبنى التحقيقات الجنائية غير أن وكلاء النيابة لم يسعوا في التأكد من هذه الدعاوى رغم وضوح آثار التعذيب على أجساد بعض المعتقلين. وفي كثير من الحالات يكتفي وكلاء النيابة باستخدام مصطلح "سوء المعاملة" بدلاً من التعذيب أثناء تسجيل محضر التحقيق مع المعتقل.
على اليسار، صورة لأحمد بو جيري وهو أحد وكلاء النيابة الذين اشتكى المعتقلون من تجاوزاتهم وتواطؤهم مع التحقيقات الجنائية لإجبار المعتقلين على الاعتراف بتهم كيدية وملفقة. ومن بين هؤلاء الضحايا الناشط الحقوقي المعتقل ناجي فتيل[9] والذي أفاد بأن بوجيري أعاده للتعذيب عندما رفض الاعتراف بالتهم الموجهة له وطلب الحديث بوجود محاميه. كما أفاد المعتقل طالب علي[10]بأنه تعرض للتهديد على يد بوجيري الأمر الذي يجعل وكيل النيابة شريكاً في جريمة التعذيب بدلاً من أن يتخذ موقفاً حيادياً أو منحازاً للضحايا.
شكاوى التعذيب
ومن الملاحظ أن وكلاء النيابة يعمدون إلى البحث عن ذرائع للشرطة المتهمين بإساءة المعاملة لتسجيل القضية كحالة دفاع عن النفس ومن ثم حفظها دون إحالتها للمحكمة. ويستعرض مركز البحرين عدد من شكاوى التعذيب التي تم تقديمها إلى وحدة التحقيق الخاصة دون أن يصل التحقيق إلى أية نتيجة في حين لم يحد تقديم الشكوى من استمرار انتهاك حقوق المعتقل في فترة الإحتجاز والمحاكمة.
الحالة الأولى: جليلة السلمان
تعرضت جليلة السلمان (نائب رئيس جمعية المعلمين البحرينية) للإعتقال في 29 مارس 2011 واستمر اعتقالها لأكثر من خمسة أشهر تعرضت خلالها للتعذيب وسوء المعاملة وخضعت فيها للمحاكمة العسكرية بتهم تتعلق بدعوة الجمعية للإضراب في 2011، وتم الحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات استناداً إلى الاعترافات المنتزعة بالإكراه. تقدمت السلمان بشكوى عن سوء المعاملة أولاً لوكيل نيابة المنطقة الوسطى في يوليو 2011، وقامت بتوثيق تعرضها للتعذيب مع اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق. وتقدمت بشكوى ثانية في 2012 حيث وجدت أن الشكوى الأولى لم تكن مسجلة. أفادت جليلة السلمان بأسماء المسؤولين الحكومين المتورطين في إساءة معاملتها أو تعذيبها ومن بينهم:
- عيسى المجالي (ضابط في التحقيقات الجنائية): مسؤول عن وضع السلمان في الحبس الإنفرادي لعشرة أيام بمبنى التحقيقات الجنائية، و إكراهها على الإعتراف عبر الضرب والتهديد بالاغتصاب ونفخ دخان السجائر في وجهها لحد الاغماء وعدم معالجتها عندما تفقد وعيها، ومنعها من تناول أدويتها.
- الملازم أول المناعي: مسؤول عن ضرب وتهديد وإكراه السلمان على الاعتراف والتوقيع على الأوراق خلال التحقيق في النيابة العسكرية في القضاء العسكري بقوة الدفاع.
- عدد من الشرطيات اللواتي أسأن معاملة السلمان في التوقيف عبر إهانات متعمدة وتحقير وشتم المذهب والحرمان من أداء الصلاة أو استخدام الحمام والوقوف المستمر والضرب والتجويع والحرمان من الماء.
- طبيب عيادة القلعة (العيادة المخصصة للسجناء) الذي تورط في نزع سن السلمان دون تخدير.
كما أفادت بأسماء لشخصيات مقربة من السلطة أو عاملة في مؤسسات حكومية غير عسكرية تورطت في إساءة المعاملة منها:
- فيصل فولاذ (حقوقي في منظمة غونغو): متابعة تصوير اعترافات السلمان والتستر على الإنتهاكات التي شهدها من ضرب وتهديد وإجبار على الإعتراف أمام الكاميرا.
- المخرج أحمد المقلة (موظف بوزارة الإعلام): مسؤول عن عملية تصوير الإعترافات هو وطاقمه بالكامل ومراجعة الإعترافات للتأكد من تطابقها.
وبالرغم من الطلبات المتكرر لمحامي السلمان أمام المحكمة للنظر في شكوى التعذيب إلا أن محكمة التمييز في 1 يوليو 2013 قامت بتأييد حكم محكمة الاستئناف العليا ضد السلمان بالسجن ستة أشهر قضتها كاملة، وذلك دون أن يتم النظر في شكواها عن التعذيب أو تقديم أي من المتورطين للمحاكمة حتى الآن.
الحالة الثانية: عدنان المنسي
تعرض عدنان المنسي للاعتقال في 30 مايو 2012، وتم نقله للتحقيقات الجنائية. وقام المنسي بإخبار وكيل النيابة عن ممارسات التعذيب التي مر بها خلال اعتقاله، وكيف أنه أجبر على الاعتراف بأشياء لم يفعلها إلا أن شهادته تم تجاهلها ولم يتم تسجيلها حتى. قامت محامية المنسي بتقديم شكوى لدى وحدة التحقيق الخاصة في يوليو 2012 حول تعرضه لسوء المعاملة والتعذيب لإكراهه على الاعتراف. وذكر المنسي في الشكوى المقدمة أسماء المسؤولين الحكوميين المتورطين في تعذيبه ومن بينهم عيسى المجالي وفريد إسماعيل. وذكر المنسي أنه قد أجبر على الوقوف في الشمس لمدة ساعة، وتم حرمانه من الماء. وقدمت محامية عدنان تقريراً عن موكلها بأنه "تعرض للإغتصاب من قبل مسئولين في وزارة الداخلية مما تسبب له بنزيف حاد في منطقة الشرج". إضافة الى ذلك، فقد تعرض المنسي للضرب المبرح على الرأس مما تسبب في إصابته بشلل مؤقت و صداع دائم. وبالإضافة إلى كل ذلك، تم حرمان ال