سمّت منظمة الأمم المتحدة يوم 24 يناير «يوم التعليم الدولي»، وذلك لأن التعليم هو حق من حقوق الإنسان، وصالح عام ومسؤولية عامة، وقد قررت الأمم المتحدة إعلان هذا اليوم احتفاءً بالدور الذي يضطلع به التعليم في تحقيق السلام والتنمية في العالم.

يمنح التعليم للأطفال سلّمًا للخروج من الفقر ومسارًا إلى مستقبل واعد، لكن ما يقرب من 265 مليون طفل ومراهق في العالم لا تتاح لهم الفرصة للدراسة أو حتى إكمالها، ومع أن أكثر من خُمسهم في سن التعليم الابتدائي، إلا أنهم محبطون بسبب الفقر والتمييز والنزاعات المسلحة وحالات الطوارئ وآثار تغير المناخ، وبحسب تقرير مراقبة التعليم العالمي لعام 2019، فإن الهجرة والتهجير القسري يؤثران كذلك على تحقيق أهداف التعليم.

في البحرين، انطلق التعليم النظامي في عام 1919 بإنشاء مدرسة الهداية الخليفية الثانوية في مدينة المحرق، لتسجّل الدولة بذلك ريادتها وأسبقيتها في انطلاق التعليم النظامي في دول الخليج، و في هذا العام، تحتفل البحرين بمرور 100 عام على ذلك التاريخ المهم والمؤثر في نهضتها التعليمية.

ولكن حين لا تقوم الدولة بمراجعة نظامها التعليمي المدرسي والجامعي أولًا بأول، ولا تراقب علاقة هذا النظام التعليمي بالتدريب وسوق العمل، فإنها ستظل تعاني كثيرًا على جميع الأصعدة.

إن مركز البحرين لحقوق الإنسان يعلم إنّ التحديات التي تواجه التعليم في البحرين اليوم، بحاجة إلى مراجعة صادقة و بحاجة إلى تقارير تعكس أرقامًا في غاية الشفافية حول الكثير من التفاصيل المؤثرة في البيئة التعليمية والمدرسية وانعكاسات تردداتها في جميع تفاصيل مؤسسات الدولة.

يذكّر تقرير مراقبة التعليم العالمي لعام 2019 بواقع التعليم في البحرين، الذي انحدر إلى مستويات متدنية بسبب التمييز في الحق في الحصول على التعليم، فلقد حرمت وزارة التربية والتعليم مئات المتفوقين من حقهم في الدراسة الجامعية لاعتبارات دينية ولوجود تمييز طائفي بحجم كبير منذ 2011. 

أمّا و في البحرين، قدّر تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الجديد للعام 2019 نسبة تراجع أداء المدارس الابتدائية 15% في تقارير المراجعة الثالثة «لجودة التعليم» مقارنة مع أدائها في دورة المراجعة الثانية، إذ لم يتطور أداء 31% من المدارس الابتدائية التي حصلت على تقييم أداء غير ملائم أو مرض.

وانتقد التقرير تكرار بعض التوصيات في تقارير الجودة الصادرة خلال الدورتين الثانية والثالثة لبعض المدارس الابتدائية رغم انقضاء فترات زمنية بين تاريخ صدور الدورتين تراوحت بين ثلاث الى أربع سنوات، ولاحظ التقرير دمج بين طلبة المرحلة الابتدائية والذين يتجاوز عددهم تسعة آلاف طالب للعام الدراسي 2019 مع طلبة بالمراحل الإعدادية والثانوية في بعض المدارس ولفت التقرير الى تجاوز معايير الكثافات الطلابية لأكثر من 21% من الفصول الدراسية للمرحلة الابتدائية خلال السنوات 2016 - 2017 وحتى 2018 – 2019.

وقال التقرير إن وزارة التربية والتعليم لجأت إلى زيادة الفصول الدراسية المتنقلة في المدارس الابتدائية لمواكبة زيادة أعداد الطلبة دون اتخاذ اجراءات لازمة للتحقق من مدى ملائمة المرافق العامة بالمدارس مع العدد الاجمالي المتوقع للطلبة بعد اضافة تلك الفصول، لافتًا الى انه تبلغ مساحة الفصول المتنقلة 42.5 متر مربع وهو ما لا يتوافق مع معيار مساحة الفصل الدراسي المحددة في دليل المعايير والمواصفات الفنية للمؤسسات التعليمية الحكومية، حيث يجب ألا تقل مساحة الفصل الدراسي عن 50 مترًا مربعًا.

كما و إن 17 مدرسة تقريبًا تضم 12 ألف طالب وطالبة، سوف تخرج من الخدمة التعليمية كونها آيلة للسقوط، ما يعني اضطرار نقلهم إلى مدارس أخرى مما يعني زيادة الضغط على المؤسسات الموجودة وعلى الهيئات التعليمية والإدارية وطواقم وزارة التربية والتعليم التي تدير هذه المؤسسات التعليمية والتدريبية.

ذلك إلى جانب خروج 3600 مدرس وموظف من وزارة التربية والتعليم في برنامج التقاعد المبكر، يرافقهم 800 معلم وموظف ضمن برامج التقاعد الحكومي العادي، مما يعني 4400 بين مدراء مدارس ومعلمين وأخصائيين، لن يتم تعويضهم وفق نظام التقاعد الاختياري أولًا، فضلا عن صعوبة استنساخ خبراتهم وتجاربهم ثانيًا .

أمّا فيما يتعلق بتقليص الميزانيات في السلك التعليمي فهو يشكل تحدي آخر، لا تقع على وزارة التربية والتعليم لوحدها، ولكنها تحديات كبرى ستواجه المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب واستراتيجياته المخطط لها، والتي لا يمكن تنفيذها وفق ضغط عددي في أعداد الطلبة، ونقص عددي في الطواقم التعليمية والفنية والإدارية، مع تقليص كبير في الميزانيات والتي لا تعطي أي فرصة لعلاج الخلل القائم.

إنّ الظروف والتحديات السابقة تشكّل إرباك كبير في البنية التعليمية في البحرين، وستقف عائقًا كبيرًا في وجه تطوير التعليم والارتقاء بجودته التي دشنتها الدولة قبل عقد من الزمن بالضبط؛ في انشاء مؤسسات البوليتكنك وهيئة جودة التعليم والتدريب وكلية المعلمين.

يتمنى مركز البحرين لحقوق الإنسان ان تكون تقارير جودة التعليم والتدريب، ومقارنتها بالواقع والمأمول؛ قادرة حقيقةً على رسم الطريق بعد مسيرة 100 عام من انطلاق التعليم النظامي في البحرين.

وبهذه المناسبة الدولية و الوطنية، يدعو مركز البحرين لحقوق الانسان إلى زيادة الالتزام السياسي بالتعليم كقوة لإدراجها في الدفع بتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة، و الى تبني الإصلاحات المتعلقة بمستويات التعليم بكافة الأصعدة إلى جانب تلك المتعلقة بذوي الإحتياجات الخاصة، وإجراءات التدقيقات المحسنة للأساتذة وموظفي المؤسسات التعليمية وجميع منتسبيها.